يكتب أمين أيوب أن قرار إسرائيل الاعتراف بأرض الصومال كشف تحوّلًا جيوسياسيًا خطيرًا مرّ إلى حد كبير دون انتباه غربي، إذ بينما كسرت جمودًا دبلوماسيًا طويلًا في القرن الأفريقي بخطوة براجماتية، كانت القاهرة، في المقابل، تُنجز بهدوء خططًا من شأنها إشعال البحر الأحمر وتحويل خلاف دبلوماسي إلى خطر أمني إقليمي واسع.
ترصد يديعوت أحرونوت كيف وقّعت الحكومة المصرية - تحت غطاء غضب دبلوماسي عربي رسمي على خطوة الاعتراف بأرض الصومال - اتفاقات ذات طابع عسكري تتيح نشر قطع بحرية مصرية في إريتريا وجيبوتي. يكشف هذا المسار، وفق التحليل، انتقال القاهرة من دور «الاعتدال» الإقليمي إلى سياسات أقرب إلى طموحات إمبراطورية قديمة، تسعى إلى عسكرة جنوب البحر الأحمر لتطويق إثيوبيا والرد على التحرك الإسرائيلي.
إحياء طموحات الخديوي إسماعيل
يفصّل التحليل طبيعة الاتفاقات الجديدة التي أبرمتها مصر مع إريتريا وجيبوتي، والتي تتيح تطوير ميناء عَصَب الإريتري وميناء دوراليه في جيبوتي لاستقبال مدمرات وناقلات قوات تابعة للأسطول الجنوبي المصري. لا يصف الكاتب هذه الخطوات كمشروعات تجارية أو تنموية، بل كجزء من تطويق عسكري مباشر. فقد زار نائب رئيس وزراء الانقلاب المصري كامل الوزير جيبوتي لتوقيع اتفاقات لوجستية وبحرية، أُعلن عنها بصيغة تعاون اقتصادي، لكنها تحمل دلالات مزدوجة تتعلق بالأمن والطاقة والسيطرة على الموانئ.
يرى الكاتب أن القاهرة، بعدما أدركت أن سد النهضة الإثيوبي صار أمرًا واقعًا لا يمكن التراجع عنه، انتقلت من نزاع حول حصص المياه إلى سياسة «دبلوماسية الزوارق الحربية». عبر نشر قوات نخبة وأصول بحرية على أطراف إثيوبيا اللوجستية، تحوّل الخلاف المائي إلى تهديد مباشر لشرايين الاقتصاد الإثيوبي، في مسعى لفرض وقائع جديدة بالقوة.
فخ «الوحدة» ولماذا تخشى القاهرة صوماليلاند
يفسر هذا التوجه العسكري، بحسب المقال، حدّة رد الفعل المصري تجاه اعتراف إسرائيل بأرض الصومال. فقد سارعت وزارة الخارجية المصرية إلى إدانة الخطوة، وحشدت تركيا وجيبوتي لاعتبارها «انتهاكًا للقانون الدولي». يطرح الكاتب سؤالًا مركزيًا: لماذا تدين مصر، التي تعلن عداءها للإسلام السياسي، الاعتراف بإقليم مستقر نسبيًا، ديمقراطي وعلماني، يشكّل حاجزًا أمام تمدد حركة الشباب المسلحة؟
يجيب التحليل بأن الدافع ليس مبدئيًا، بل تحكمه حسابات واقعية بحتة. تحتاج القاهرة إلى «صومال موحد» لا دفاعًا عن سيادة مقديشو، بل لأن صومالًا منقسمًا يتيح لها التأثير على حكومة مركزية ضعيفة واستخدامها كورقة ضغط على إثيوبيا. يمنح الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال أديس أبابا متنفسًا دبلوماسيًا ومسارًا محتملًا للوصول إلى البحر، وهو ما ينسف استراتيجية الاحتواء المصرية. لذلك، تحرّك السيسي لتشكيل ما يسميه الكاتب «محور اليأس»، منسقًا مع أنقرة لبناء جدار دبلوماسي في مواجهة إسرائيل، في مفارقة لافتة تجمع القاهرة وتركيا، رغم خصومتهما السابقة، على هدف واحد.
زعزعة الاستقرار كأداة سياسة
يضع الكاتب التحركات المصرية في سياق أشد خطورة، إذ يأتي إدخال قطع بحرية مصرية إلى مياه إريتريا وجيبوتي في وقت يعاني فيه البحر الأحمر أصلًا من تهديدات الحوثيين، وهو ممر تمر عبره نحو 12% من التجارة العالمية. يضيف هذا الانتشار طبقة جديدة من الاحتكاك بين الدول، ويحوّل البحر الأحمر إلى ساحة مفتوحة لاحتمالات التصعيد.
يرى المقال أن القاهرة تتعامل بمنطق صفري، إذ تحوّل «الخط الأحمر» المرتبط بنهر النيل إلى استراتيجية «حصار بحري» في البحر الأحمر. عبر التمركز في جيبوتي، التي تمر عبرها غالبية تجارة إثيوبيا، توجّه مصر رسالة مفادها استعدادها لخنق الاقتصاد الإثيوبي. يضع هذا الضغط أديس أبابا أمام خيارات قاسية، قد تجعل اللجوء إلى كسر الطوق عسكريًا خيارًا مطروحًا.
يخلص الكاتب إلى أن هذه التطورات تكشف إفلاسًا استراتيجيًا في نهج النظام المصري، الذي يحاول إسقاط منطق حصارات القرن التاسع عشر على تعقيدات القرن الحادي والعشرين. لا تعبّر عسكرة البحر الأحمر عن قوة بقدر ما تكشف مأزقًا سياسيًا واقتصاديًا لنظام يواجه واقعًا مائيًا لا يمكن تغييره بالقوة البحرية. في هذا السياق، يتشكل «محور يائس» يضم مصر وتركيا وأطرافًا إقليمية أخرى، يجمعها رفضها الاعتراف بالخريطة الجديدة للقرن الأفريقي، حتى لو جاء ذلك على حساب استقرار أحد أكثر أقاليم العالم هشاشة.
https://www.ynetnews.com/opinions-analysis/article/hjrfuxle11g

